عـــــوارض الأهليــة وضوابطها

ضوابط الإحالة على الفقه المالكي في مدونة الحقوق العينية

ضوابط الإحالة على الفقه المالكي في مدونة الحقوق العينية

                                              [الدكتور. عبد السلام آيت سعيد]

                                                           أستاذ باحث في الحكامة التوثيقية ومقاصد الشريعة

كلمة شكر :

يقول علماء الأصول: « الادب مقدم على الأمر « .

ومن الأدب تقديم كلمة شكر وتقدير للمجلس الجهوي لعدول استئنافية الراشدية ولمحكمة الاستئناف بالراشدية – رئاسة ونيابة – على الدعوة الكريمة للمشاركة في أشغال هذه الندوة العلمية المتميزة التي استقطبت خيرة الباحثين في المجال القضائي والتوثيقي لسبر أغوار موضوع « مدونة الحقوق العينية » البالغ الأهمية، والذي ما زال يسيل مداد الباحثين في مجال الدراسات الفقهية والقانونية .

فهنيئا لمحكمة الاستئناف والمجلس الجهوي على هذا الاختيار الموفق.

مقدمــــة:

لاشك أن صدور « مدونة الحقوق العينية » شكل حدثا تشريعيا بارزا في مجال التشريع العقاري المغربي، حيث احتوت هذه المدونة على قواعد هامة ومستجدات قانونية ساهمت في تطوير البنية العقارية.

فإخراج هذه المدونة إلى الوجود كانت مطلبا لجميع الفاعلين في مجال العقار والقضاء والتوثيق والاستثمار الذي طال انتظاره لعقود من الزمن.

مقاربتي للموضوع من الناحية المنهجية ، سيكون من خلال  ثلاثة مباحث رئيسة:

المبحــث الأول: مدونة الحقوق العينية: مظاهر التوحيد والتقعيد، والمسار التاريخي.

المبحث الثاني: مدونة الحقوق العينية: وسؤال المرجعية؟ !

المبحث الثالث: ضوابط الإحالة على الفقه المالكي من خلال مدونة الحقوق العينية.

خاتمة وخلاصة:

المبحث الأول:مدونة الحقوق العينية: المسار التاريخي ومظاهر التقعيد والتوحيد

الفرع الأول: مظاهر توحيد القواعد القانونية

                المنظمة للعقار

« فمدونة الحقوق العينية » هي : عنوان وعلامة نجاح المشرع المغربي في كسب رهان توحيد القواعد المنظمة للعقار في عدد من القضايا، نذكر على سبيل المثال ما يلي:

  • توحيد الإطار القانوني المطبق على العقارات سواء كانت محفظة أو غير محفظة.

ملحوظة: كان المغرب – قبل المدونة – يعرف ازدواجية الاطار القانوني للعقار المحفظ ، هناك نصان قانونيان:

  • الأول: ظهير 12 غشت 1913 الذي ينظم كيفية تحفيظ العقار من حيث المسطرة الواجبة الاتباع، وما يترتب عنها من آثار قانونية صارمة.
  • والثاني: ظهير 02 يونيو 1915 والذي تضمن القواعد التي تطبق على العقار بعد تحفيظه ، من حيث تنظيم الحقوق العينية الأصلية والتبعية التي ترد على هذا العقار.
  • وفي المقابل: لم يكن هناك تشريع خاص بالعقار غير المحفظ ، بل كان القضاء والتوثيق العدلي يرجعان إلى القواعد الفقهية: وفق الراجح والمشهور وما جرى به العمل في الفقه المالكي.
  • توحيد المقتضيات المتعلقة بحق الملكية : حيث بينت « المدونة » نطاق هذا الحق وكيفية ممارسته وحمايته [المادة : 14 وما بعدها]، كما أوضحت الأحكام المتعلقة بالملكية المشتركة – [المادة 24 وما بعدها= الشياع والقسمة والحائط المشترك (المادة: 28 وما بعدها) والطريق الخاص المشترك (المادة :32 وما بعدها)].
  • توحيد المقتضيات المتعلقة بقواعد الإثبات : فقد تم توحيدها على مستوى العقار غير المحفظ ، وثم توضيح قواعد الترجيح بين البينات المدلى بها لإثبات ملكية عقار أو حق عيني على عقار.
  • توحيد الحقوق العرفية الاسلامية المعترف بها كحوق عينية: [انظر: المادتين (8) و(9) وما بعدهما] .

Ü« فمدونة الحقوق العينية » حصرت الحقوق العرفية التي يمكن إنشاؤها بعد دخول هذه المدونة حيز التنفيذ في « حق الزينة وحق الهواء والتعلية » دون باقي الحقوق العرفية الأخرى: [نـحو الجزاء والاستئجار والجُلسة ..] باستثناء ما أنشئ منها بوجه صحيح قبل دخول المدونة حيز التنفيذ (المادة: 9).

*** *** *** *** *** *** *** ***

هذا باختصار شديد أهم مظاهر توحيد القواعد القانونية المنظمة للعقار التي جاءت بها « مدونة الحقوق العينية ».

 الفرع الثاني: المدونة في مسارها التاريخي أو  المدونة والملوك الثلاث.

يقتضي « المنهج التاريخي » في تناول المسار التاريخي « للمدونة » استحضار أهم المراحل والأطوار التي مرت منها المدونة، لأن إتقان التعامل مع « المادة التاريخية » وسيلة من الوسائل التي تعين « الفقيه » و »القاضي » و »المجتهد »و »الباحث » في التفسير والشرح والتنبؤ¬ فهذا « الإتقان » هو من « الضروريات » وليس من « الحاجيات » أو « التحسينات ». 

وقديما قال [أوكَست كونت] : « إن المعرفة قوة … إنها تعني أن نعرف، فنتنبأ، فنستطيع[1]« .

فالمعرفة: (بجميع فروعها) إذا لم تتحول لتصبح أداة للاستطاعة والتمكين، فهي ليست « معرفة حقيقية » ، بل هي « معرفة مجتزأة[2]« 

*** *** *** *** *** *** *** ***

على هذا الأساس فالناظر في « مسار مدونة الحقوق العينية من الناحية التشريعية » أي من البذور إلى الجذور يلاحظ ثلاث محطات رئيسية:

المحطة الأولـى : محطة تدوين أحكام الفقه الاسلامي في عهد الملك الراحل محمد الخامس طيب الله تراه.

كان من أهداف هذه  « المحطة  » تدوين أحكام الفقه الاسلامي في جميع المجالات[3].

وقد كان هذا التدوين هو: « رغبة الملك الراحل محمد الخامس » طيب الله تراه. فقد ورد في خطابه بمناسبة « تعيينه للجنة تدوين الفقه الاسلامي » بتاريـخ 19 أكتوبر 1957 ما يلي:

« ولا يخفي أننا أمة عريقة في ميدان الدراسات الفقهية والتشريع، نملك من ذلك ثروة تغنينا عن اتخاذ قوانين موضوعة لدول أخرى ».

  • ثم قال رحمه الله- أيضا:

« فواجبنا إذا أن نعود إلى تراثنا وثروتنا الفقهية ونعمل على إحيائها وذلك بتأليفها في مواد منسقة مضبوطة على شكل مدونة ».

فهذه اللجنة التي تم تعيينها في عهد المرحوم محمد الخامس– رحمه الله بظهير لم يكن عملها منحصرا في « مدونة الأحوال الشخصية » ، بل كانت الغاية هي: تدوين جميع فروع الفقه، بما في ذلك أحكام المعاملات والحقوق العينية.

وقد كان في « برنامج هذه اللجنة » :

  • وضع « مدونة الإلتزامات والعقود »،

        و »مدونة الحقوق العينية ».

إلا أن اللجنة لم تستكمل أعمالها للأسباب التي ذكرها « عضو اللجنة » ورمز الحركة الوطنية العلامة علال الفاسي رحمه الله – في كتابه القيم « دفاع عن الشريعة »[4].

-قال رحمه الله: « ولم يكن يخطر ببال جلالته، ولا ببالنا نحن أعضاء لجنة التدوين الذين شرفهم جلالته بتعيينهم لأداء هذه المهمة، أن عملنا سيقتصر على مجرد الأحوال الشخصية ، والدليل على ذلك أننا اشتغلنا في قسم الأموال بعد إنجازنا للأحوال ، ولكن قسم التشريع بالكتابة العامةالذي يشرف عليه …فنيون فرنسيون أوقف أمر البت فيه، وترتب على ذلك أن توقف سير التدوين في بقية أبواب الفقه الأخرى، »

– ثم قال – رحمه الله – : « وفي المغرب لم يكن يخطر ببال أحد من المناضلين الأولين، أن القانون الذي وضعه الفرنسيونلمقاصد استعمارية، سيصبح المتحكم في كل النشاط الاسلامي في المغرب …[5]« 

– وعلى هذا الأساس حدد رحمه الله – مفهوم الوطن- :

« إن « الوطن » ليس هو الأرض وحدها، ولكنه الأرض وما فوقها وما يعيش فيها من شعب، ومن عقيدة ومن شرائع، ومناهج للحياة[6]« .

*** *** *** *** *** *** *** ***

المحطة الثانية: محطة وضع مشروع مدونة الحقوق العينية في عهد الملك الراحل الحسن الثاني.- رحمه الله

-المحطة البنائية والإجرائية-

في هذه المحطة أمر الملك الراحل – المرحوم بإذن الله- بإحداث لجنة تحت رئاسة وزير العدل السيد عمر عزيمان، عهد إليها بوضع مشروع مدونة الحقوق العينية تستمد أحكامها من الفقه الاسلامي [7].

  • وتنفيذا لهذا الأمر شكل وزير العدل بتاريخ 17 فبراير 1998 لجنة تحت رئاسته مكونة من ثلة من العلماء والفقهاء والقضاة والأساتذة الجامعيين.
  • وقد عهد إليها في بداية الأمر بتدوين مقتضيات الفقه الاسلامي المتعلقة بالحقوق العينية التي ترد على العقارات غير المحفظة، مع مراعاة التوجهات التالية:
  1. الالتزام بتدوين الأحكام التي يقررها المذهب المالكي، مع إمكانية المفاضلة بيت الآراء الفقهية المختلفة داخل المذهب.
  2. الالتزام بالأحكام القطعية الثابتة بالكتاب والسنة.
  3. وفي الأحكام الاجتهادية .. مراعاة مقاصد الشريعة وتطور المعاملات العقارية.

*** *** *** *** *** *** *** ***

المحطة الثالثة: مرحلة التعديل والتنقيح والإصدار في عهد جلالة الملك محمد السادس – نصره الله

  • ويمكن التمييز في هذه المحطة بين مبادرتين:

المبادرة الأولى: مشروع قانون 19-1

هذا المشروع سمي : « بمدونة الحقوق العينية المتعلقة بالعقارات غير المحفظة » قانون رقم 19-01بتاريخ 12 ابريل 2001.

ما أثار الإنتباه في هذا المشروع الأول هو: الإحتفاظ بازدواجية البنية العقارية بين عقار محفظ وعقار غير محفظ.

  • وفي عهد وزير العدل المرحوم محمد بوزبع سنة 2005، تمت مراجعة المشروع الأول وإعادة النظر في بعض مقتضياته على أساس أن يكون هذا « المشروع » بمثابة قانون يطبق على العقار المحفظ وغير المحفظ وتوحيد المقتضيات المتعلقة بهما.

 

المبادرة الثانية: قانون 39-08

بعدما تم التراجع عن « صياغة المشروع الأول : رقم 19-01 » واستبداله بمشروع جديد ، وبترقيم جديد « قانون 39-08 » يتعلق بمدونة الحقوق العينية تطبق على العقار عموما دون تمييز بين المحفظ وغير المحفظ ، تمت المصادقة عليه في مجلس وزاري وإحالته على البرلمان ليأخذ مساره التشريعي.

ملحوظة:

أحيل « المشروع » سنة 2009 على البرلمان في عهد وزير العدل المرحوم الطيب الناصري ، واستغرقت دراسة هذا المشروع بمجلس النواب أكثر من سنة.

وقد انعقد أول اجتماع للجنة العدل والتشريع بمجلس النواببتاريخ 12 ماي 2010 بحضور وزير العدل المرحوم الطيب الناصري الذي قدم الخطوط العريضة للمشروع …

وبعض تعميق النقاش حول بعض المقتضيات وطرح التعديلات حول بعض النقاط الخلافية والتوافق بشأنها … ثم الاتفاق على صيغة جديدة مقترحة لمشروع المدونة عرضت على التصوين خلال اجتماع اللجنة بتاريخ 06 يوليوز2011 .

فالمسار التاريخي « للمدونة » فيه ثلاث ملوك وثلاث وزراء للعدل:

  • ثلاث ملـــــــوك:
  • الملك الراحل = محمد الخامس (رحمه الله)
  • الملك الراحل = الحسن الثاني (رحمه الله)
  • الملك الحالي = محمد السادس (نصره الله)
  • وثلاثـــــة وزراء:
  • السيد عمر عزيمان
  • المرحوم محمد بوزبع
  • والمرحوم الطيب الناصري

*** *** *** *** *** *** *** ***

المبحث الثاني:مدونـة الحقـوق العينيـــــــة :   وسؤال المرجعية

لاشك أن « مدونة الحقوق العينية » تستمد أصولها وقواعدها الناظمة للمعاملات العقارية من عدة مرجعيات تشكل البنية التشريعية لهذه المدونة.

ومن هذا المنطلق قام المشرع في بنائه للصياغة النصية للمدونةبالمزج بين ما هو فقهي وقانوني.

وعلى هذا الأساس يمكن تقسيم « مرجعيات المدونة » إلى نوعين أساسيين:

النوع الأول: المرجعية الأساسية للمدونة.

إن الناظر في نصوص « مدونة الحقوق العينية » يجد أن أحكام الفقه الاسلامي وخاصة الفقه المالكي تحتل مركزا متقدما في مقتضايتها  ومفاهيمها ومصطلحاتها، بل إن الفقه المالكي يضطلع فيها بدور ريادي سواء من حيث الصياغة أو الاحالة[8].

ولذلك فإن من أبرز ما يميز « مدونة الحقوق العينية » أن المشرع المغربي اقتبس جل مقتضياتها من قواعد الفقه المالكي.

  • ولهذا السبب، تم الاعتماد أثناء وضع « مدونة الحقوق العينية » على مجموعة من المؤلفات الفقهية المالكية المشهورة، مثل:
  • تحفة ابن عاصم المعروفة بـ »العاصمية« .

وشروحها المعتمدة :

  • كالتسولي.
  • التاودي.
  • ميارة الفاسي.
  • حاشية بناني.
  • تبصرة الحكام لابن فرحون.
  • لامية الزقاق.
  • شرح مختصر خليل = للزرقاني.

Ü ومعلوم أن هذه « المظان » هي عمدة الفقه المالكي، وأشهر مصادره.

النوع الثاني: المرجعية التكميلية للمدونة.

وتتجلى هذه « المرجعية » في:

  • قانون الالتزامات والعقود.
  • والراجح والمشهور وما جرى به العمل:

المصدر التكميلي الأول:

قانون الالتزامات والعقود

من مميزات « قانون الالتزامات والعقود » التي ينفرد بها دون غيره من القوانين، شمول نصوصه على أحكامٍ عديدةٍ، تنتمي إلى مجالات قانونية متعددة:

Ü كالميدان التجاري … وما يتعلق بالعقارات والحقوق العينية والتصرفات المتعلقة بها.

فمن الطبيعي ذلك ما دام « ظهير الالتزامات والعقود » يعد الشريعة العامةالتي تحكم سائر المسائل المدنية غير المحكومة بنص خاص، وكذلك باعتباره « مصدرا مكملا » عندما يُعْوِز القاضي الحكم في هذه النصوص الخاصة.

Ü بالإضافة أن بين « قانون الالتزامات والعقود » و »مدونة الحقوق العينية » تقاطعا كبيرا على عدة مستويات[9] مثل :

  • « قواعد رفع الضرر » .
  • « التصرفات القانونية الواقعة على العقار » مثل:

الفصل [489] من قانون الالتزامات والعقود = ينص في حالة بيع العقار أو حقوق عقارية … وجب البيع كتابة في محرر ثابت التاريخ …]

  • ما يتعلق بالشفعة والقسمة والملكية المشاعة، وما يهم الرهون الواقعة على العقارات … الخ.

Ü ولعل ما جَعَل « المشرع » يقدم هذا « الظهير » على الراجح والمشهور وما جرى به العمل في عملية الإحالة والاعتبار هو [10]:

« أن مقتضيات « قانون الالتزامات والعقود » يسهل على القاضي الرجوع إليها، على خلاف قواعد الفقه الاسلامي التي تحتاج من القاضي تنقيب وتمحيص الآراء الفقهية والترجيح بينها … وهذا يحتاج إلى النظر العميق والتمرس ووقت طويل وتعليل متين … الخ ».

المصدر التكميلي الثاني:

الراجح والمشهور وما جرى به العمل

جاء في المادة الأولى من « مدونة الحقوق العينية » في فقرتها الأخيرة « … فإن لم يوجد نص يرجع إلى الراجح والمشهور وما جرى به العمل من الفقه المالكي.« 

Üانطلاقا من هذه المادة يتضح أن « المدونة » متمسكة بالفقه المالكيفيما لا نص فيه، فقد أحالت على المذهب المالكي لتكميل نصوص هذه المدونة [11].

وتأسيسا على ما سبق أنتقل بكم أيها السادة الأفاضل إلى ضوابط الإحالة على الفقه المالكي.

*** *** *** *** *** *** *** ***

 المبحث الثالث:ضوابط الإحالة على الفقه المالكي  من خلال مدونة الحقوق العينية.

من أهم مميزات « مدونة الحقوق العينية » أنها متمسكة بالفقه المالكي من حيث قواعده ومبادئه ¬ عِلاوةَ أن الفقه المالكي يضطلع بدور تكميلي داخل المدونة « فيما لا نص فيه » .

*** *** *** *** *** *** *** ***

فمن خلال هذا البيان والإيضاح ننتقل إلى تأصيل ضوابط وشروط الإحالة على الفقه المالكي من خلال نصوص مدونة الحقوق العينية ومقتضياتها التشريعية.

  • فبالرجوع إلى المادة الاولى – من المدونة –يتبين أن القاضي ملزم بالتقيد بعدة « شروط وضوابط »، قبل تطبيقه للفقه المالكي.
  • هذه « الضوابط « نوعان [12]:
  • (ضوابط قبليــة) [المطلب الأول]
  • و (ضوابط بعدية) [المطلب الثاني]
  • المطلب الأول: الضوابط القبلية للإحالة على الفقه المالكي طبقا لمدونة الحقوق العينية.

الفرع الأول الضابط الأول : التأكد من عدم وجود نصفي مدونة الحقوق العينية.

المراد بهذه « الضوابط القبلية » أن القاضي قبل أن يتخذ قراره بالإحالة على قواعد الفقه المالكي، فهو ملزم بما يلي:

طبقا لهذا « الضابط » فعلى القاضي أن يستفرغ وسْعه وجُهدَه في البحث عن الحكم « المناسب » للنازلة أو القضية المعروضة عليه انطلاقا من القانون الذي هو « مدونة الحقوق العينية« .

ولا يمكن له الانتقال إلى الفقه المالكي، والحال ان الحكم منصوص عليه في القانون.

  • لكن يبقى السؤال المطروح في هذا السياق: هل استطاعت « مدونة الحقوق العينية » أن تقدم جميع الحلول والأحكام المناسبة للنوازل والقضايا المعروضة على القضاء؟ !

Ü جوابا على هذا السؤال : رغم صدور « قانون للحقوق العينية » سيبقى الواقع القانوني المغربي يَعْرف تعدد الأنظمة متمثلة في القانون و الفقه و العرف ، وهو الثالوث المتكامل الذي تتجسد فيه الحقيقة القانونية[13].

  • ومما يجسد هذه « الحقيقة » هــــــــــو :

الاختصار المخل في مجموع المقتضيات القانونية لمدونة الحقوق العينية، وفي صياغة نصوصها، أي الإختصار جمعا وإفرادا.

Ü فعلى صعيد كل مقتضى نلحظ وجود « صياغة مختصرة مختزلة » لا تشفي الغليل ولا تفيض في بيان الأحكام بما يعين القاضي على الفصل في النوازل والقضايا.

Ü وعلى صعيد مجموع النصوص، لا يعقل إفراد (334) مقتضى بالنسبة « لمدونة الحقوق العينية » ، في حين صيغ « قانون الالتزامات والعقود » في (1250 نصاَّ) ، رغم أن أهمية المدونة لا تقل عن أهمية قانون الالتزامات والعقود، لكونها تنظم كافة متعلقات الحقوق العينية، الأمر الذي يقتضي تفصيل القول وتفادي الإختصار والإجمال والإرسال الذي يعتري النصوص، مما يجبر القاضي على الرجوع الدائم إلى قانون الالتزامات والعقود و مقتضيات الفقه الاسلامي للتكملة والإستزادة [14].

الفرع الثاني الضابط الثاني: التَّيقن من عدم وجود نص في قانون الالتزامات والعقود.

  • من خلال « مدونة الحقوق العينية« ، فقد تبوأ « قانون الالتزامات والعقود » المرتبة الأولى ضمن المصادر التكميلية المحال عليها.
  • فاللجوء إلى « القواعد العامة لقانون الالتزامات والعقود » فيما لم يرد فيه نص في مدونة الحقوق العينية، حسم النزاع الذي كان سائدا في الوسط الفقهي والقضائي » قبل صدور مدونة الحقوق العينية، فيما يخص القانون الواجب التطبيق على العقارات الغير المحفظة[15].

Ü فقبل « المدونة » نجد التضارب والتناقض في « القرارات » الصادرة عن « محكمة النقض » في القضية الواحدة تبعا لاختلاف الغرف، فيمكن لنزاع يتعلق بعقار غير محفظ، يعرض على الغرفة المدنية أو الغرفة الإدارية فيطبق فيه قانون الالتزامات والعقود، ونفس النزاع إذا عرض على الغرفة الشرعية تطبق فيه قواعد الفقه المالكي.

  • مثـــــال: قرار الغرفة الشرعية عدد 261 الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 22مارس 1979 في الملف الشرعي عدد 2356 حيث جاء فيهأن:  » المطبق على العقار غير المحفظ هو الفقه الإسلامي، وأنه لا يكون هناك مجال لتطبيق الفصل 974 من قانون الالتزامات والعقود [16]« .

*** *** *** *** *** *** *** ***

 تعليق وتدقيق:

  • لكن ما يثير الانتباه في هذا السياق، وهو إحالة المشرع على قانون الإلتزامات والعقود ضمن لائحة المصادر الرسمية التكميلية المنصوص عليها في المادة الأولى.

وجعله صاحب الأسبقية في التطبيق على حساب « الفقه المالكي » يطرح عدة اشكالات وتناقضات، خاصة إذا تعلق الأمر ببعض القضايا التي يرجع فيها الاختصاص الأصيل للفقه الاسلامي. مما يجعلنا نتساءل عن الفائدة التي ترجى من الإحالة على قانون الإلتزامات والعقود ضمن المادة الأولى من مدونة الحقوق العينية؟!

  • مثال ذلك [17]:

الحكم الذي قضت به المحكمة الابتدائية لسوق اربعاء الغرب بتاريخ 19/06/2013 حيث جاء فيه :

« … ردا على ما أثارته المدعى عليها من أن البطلان والإبطال لا يكون إلا في الحالات المنصوص عليها قانونا وهي الحالات المحددة في الفصول 306 إلى 311 من قانون الالتزامات والعقود، وهي محققة في نازلة الحال، فإن عقود التبرع كلها بما فيها عقد الصدقة تخضع لقواعد الفقه الاسلامي، وليس لنصوص قانون الالتزامات والعقود ، وبالتالي فإن دعوى البطلان والإبطال المنصوص عليها في الفصول من 306 إلى311 من نفس القانون لا مجال لتطبيقها على عقود التبرع وهذا ما أكدته محكمة النقض في قرارها عدد 558 بتاريخ 07/11/2007 « .

*** *** *** *** *** *** *** ***

  • إضافة إلى ما ذكر أعلاه : نتساءل أيضا ما الجدوى من الإحالة على « قانون الالتزامات والعقود » ابتداءا و »الفقه الاسلامي » انتهاءا « علما ان قانون الالتزامات والعقود لا يتضمن نصوصا قانونية تنظم متعلقات الحق العيني إلا بصفة استثنائية وعارضة … كرفع الضرر وضمانه مثلا-.
  • بخلاف مقتضيات الفقه الاسلامي Ü الذي استنبطت منه أغلب مقتضيات مدونة الحقوق العينية: حيازة وهبة وصدقة وشفعة وقسمة وحقوق عينية أصلية وتبعية …
  • فكيف لا يرجع إليه ابتداءا وانتهاءا للشرح والتكملة باعتباره مصدرا أصليا[18]؟ !
  • المطلب الثاني: الضوابط البعدية للإحالة على الفقه المالكي وفق مدونة الحقوق العينية.

   عندما يستنفذ القاضي جميع الضوابط القبلية التي يجب مراعاتها قبل تطبيق الفقه الاسلامي، [نص المدونة أو قانون الالتزامات والعقود].

فإنه يتحتم عليه عند الانتقال إلى تطبيق الفقه الاسلامي على النازلة المعروضة عليه أن يلتزم بضابطين أساسيين هما:

  • التماس الحكم من المذهب المالكي (الفرع الأول).
  • والتقيد داخل المذهب المالكي بالقول الراجح والمشهور وما جرى به العمل (الفرع الثاني).

الفرع الأول/ الضابط الأول: التقيد بالمذهب المالكي.              

   تأسيسا على مقتضى [المادة الاولى] من « المدونة » يتضح أنه يتعين على القاضي أن يبدأ بالمذهب المالكي في غير المنصوص عليه، وأن يجتهد في إطاره، وذلك باحترام الآليات والأدلة العامة والخاصة لهذا المذهب وعندما يضيق « الفقه المالكي » بالحل الذي ينشده القاضي فإنه لا حق له في أن يصير إلى المذاهب الاسلامية الأخرى، لأن « المادة الأولى » لم تُتِحْ هذه المُكْنة Ü وهذا أحد مكامن الخلل في هذه المادة، حيث حَرَمتْ القاضي مطلقا من الاجتهاد والخروج من دائرة الفقه المالكي.

¬ ومن هنا يتبين أن « المشرع » في المدونة جانب الصواب حينما اكتفى بالإحالة على الفقه المالكي فقط دون غيره من المذاهب.

Ü [نماذج من الانفتاح الفقهي في بلدان الخليج العربي]

  • دولة الامارات العربية المتحدة[19]:

في « قانون المعاملات المدنية لدولة الامارات العربية المتحدة« 

  • جاء في « المادة الأولى »: »تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها وفحواها. ولا مساغ للاجتهاد في مورد النص القطعي الدلالة، فإذا لم يجد القاضي نصا في هذا القانون حكم بمقتضى الشريعة الإسلامية على أن يراعى تخير أنسب الحلول من مذهبي الإمام مالك والإمام أحمد بن حنبل، فإذا لم يجد فمن مذهبي الإمام الشافعي والإمام أبي حنيفة حسبما تقتضيه المصلحة « .
  • المملكة العربية السعودية.

وفي المملكة العربية بناء على « قرار هيئة الرقابة القضائية رقم 3 بتاريخ 17/01/1347 هـ يجب أن : »تكون الاحكام في جميع المحاكم على المفتى به من مذهب الإمام أحمد بن حنبل »، كما تضمن القرار تعيين المصادر التي يرجع إليها القضاة في أحكامهم على هذا الأساس [المذهب الحنبلي]، كما تضمن إمكانية الرجوع إلى المذاهب الأخرى، إذا رئي أن في تطبيق المفتى به منمذهب الإمام أحمد ما قد يؤدي إلى مشقة ومخالفة لمصلحة العموم[20].

*** *** *** *** *** *** *** ***

إستدراك إضافي: فبالاضافة إلى الانغلاق على « المذهب المالكي » وعدم الانفتاح على « المذاهب الفقهية الاسلامية الاخرى« .

  • هناك: – [غياب المصادر الفقهية] – أي:
  • عدم تحديد المصادر والكتب التي يرجع إليها القاضي في المذهب المالكي.

لقد كان من الأجدر « بالمشرع » في المدونة أن يقوم بحصر وتحديد الكتب والمصادر الفقهية التي يجب على القاضي الرجوع إليها، تخفيفا من حدة الإختلاف بين الآراء الفقهية المبثوثة في مظانها.

Üوفي هذا التحديد والحصر مقاصد تشريعية جليلة نذكر منها:

  • التيسير على القضاء ورفع الحرج عن القضاة لاختيار القاعدة الواجبة التطبيق بسهولة ويسر في النوازل المعروضة.
  • درأ الحيرة والتردد بين مختلف التآليف الفقهية التي تُوَرِّث اختلاف الأحكامِ وتَضَارُبِها.
  • فهل يكتفي القاضي أثناء النظر والبحث بالمصادر فقط أم يستعين بالشروح والمختصرات والحواشي؟ !!

*** *** *** *** *** *** *** ***

ملحوظة هامة: [حصر وتجديد المصادر الفقهية عند الفقهاء في القديم]

إن الناظر في التراث الفقهي والقضائي المالكي يجد مسألة حصر و تحديد المصادر الفقهية التي يجب على القاضي أن يحكم بها، وقد حددها الفقهاء منذ القديم، حيث ينسب إلى الامام أبي عبد الله محمد القصار القيسي [مفتي فاس ومحدث المغرب – الأندلسي الاصل].

في الحث على التمسك ببعض الكتب المعتبرة في زمانه، ما يلي:

« توضأبالرسالةوصلِّبالجلاب وصُمْبالتلقين وزَكِّبابن الحاجب وحُجَّبخليل، واقْضِبالمدونة« [21].

Üشرح وبيان:

  • توضأبالرسالة:رسالة ابن أبي زيد القيرواني الملقب بمالك الصغير (ت:386هـ) من أشهر وأنفس ذخائر الثراث المالكي.

                         بل هي: المصدر الثالث بعد الموطأ والمدونة.

  • وصلِّبالجَلاَّب: يراد به كتابه « التفريع في فقه الامام مالك بن أنس » لصاحبه الامام أبي القاسم عبيد الله ابن الجلاب (ت:378هـ) هو كتاب جامع لأبواب الفقه على المذهب المالكي.
  • وصُمْ بالتلقين: كتاب « التلقين في الفقه المالكي » لأبي محمد بن عبد الوهاب البغدادي المالكي (ت:422 هـ)، شيخ المالكية في العراق.
  • وزَكِّبابن الحاجب: المراد به « كتاب جامع الامهات أو مختصر ابن الحاجب الفرعي » لأبي عمرو جمال الدين عثمان المعروف بابن الحاجب (ت:570 هـ) هذا الكتاب اختصره ابن الحاجب من ستين ديوانا.
  • وحجَّ بخليل: المقصود به: « مختصر خليل في الفقه المالكي » للعلامة الشيخ خليل بن اسحاق المالكي (ت:776 هـ) Ü من أمهات الفقه المالكي غني بفقه الفروع، من أشهر المختصرات.
  • واقْضِ بالمدونة: تعد « المدونة الكبرى » الأصل الثاني في الفقه المالكي بعد « الموطأ »لأنها تحمل بين طياتها« فقه أربعة مجتهدين » : مالك بن أنس والامام سنحون وابن القاسم وأسد ابن الفرات.

Ü وتسمى أيضا « المختلطة » نظرا لاختلاط مسائلها في لأصل وعدم تبويبها.

Ü وقد حضيت « المدونة » بمكانة عالية بين الدواوين وعند العلماء.

وقد تعرضت إلى محنة عظيمة في عهد الموحدين حين قاموا بإحراقها قاصدين بذلك القضاء على المذهب المالكي.

الفرع الثاني/ الضابط الثاني : التقيد بالراجح والمشهور وما جرى به العمل.              

تبين من خلال المادة الاولى من « مدونة الحقوق العينية » أن مناط اجتهاد القاضي وحكمه في « النوازل العقارية » التي لم تنص عليها « المدونة » و « قانون الالتزامات والعقود » هو : المذهب المالكي، باعتباره هو المرجع في الفتوى والقضاء.

Ü الملاحظ من الإحالة المقررة في المادة الأولى، أنها زادت من تحديد نطاق الاجتهاد في التقيد بالقول الراجح والمشهور وما جرى به العمل.

  • وبالمقارنة بين « مدونة الحقوق العينية » و »مدونة الأسرة » نلاحظ أن المشرع المغربي قيد الإحالة في « مدونة الحقوق العينية » فقط بالراجح والمشهور وما جرى به العمل في المذهب المالكي.
  • على خلاف « مدونة الأسرة » في [المادة 400]* لم تقم بحصر النظر في الراجح والمشهور وما جرى به العمل[22]، بل أحالت على المذهب المالكي دون تقييد.
  • وعلى هذا الأساس، فالقاضي ملزم باتباع المشهور والراجح وما جرى به العمل، فلا يحكم في النوازل والقضايا العقارية بغير ذلك، ولو كانت له القدرة على الترجيح والاستنباط، والإحاطة بالفقه المالكي أصولا وفروعا.
  • ترتيب الأقوال:
  • والسؤال الذي يطرح في هذا السياق هو: ما مدى جدوى الالتزام بترتيب الإحالة على الراجح والمشهور وما جرى به العمل التي قررتها المادة الأولى من المدونة؟ !!

Ü وانطلاقا من هذه « المادة الأولى » فما يقتضيه النظر الأولي و »المنهج الظاهري »:

  • أن « الراجح »¬يأتي في المرتبة الأولى.
  • و »المشهور » ¬في المرتبة الثانية.
  • و »ما جرى به العمل »¬ في المرتبة الثالثة.
  • تعريفـــــات:

الراجح: هو ما قوي دليله.

  • المشهور: هو ما كثر قائله- وقيل- هو قول ابن القاسم في المدونة.
  • ماجرى به العمل: هو الأخذ بقول ضعيف أو شاذ في مقابل الراجح أو المشهور، لمصلحة أو ضَرُورة أو عُرْفٍ أو غير ذلك من الأسس.
  • قال محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي في « الفكر السامي » ج2/406:

(عن ما جرى به العمل) = « وهذا مبني على أصول في المذهب المالكي.

  • فإذا كان العمل بالضعيف لدرء مفسدة: فهو على أصل مالك في سد الذرائع ».
  • وإذا كان لجلب مصلحة، فهو على أصله في المصالح المرسلة.

Ü قال: فإذا زال الموجب عاد الحكم المشهور … »

تعقيب:

لا ريبأن هذا الترتيب في مصادر الإحالة الوارد في هذه المادة سيؤدي إلىالتشويش والإنقسام على مستوى الفقه القانوني وتضارب الإجتهاد القضائي في جدوى الالتزام بترتيب الاحالة، والجزاء حال المخالفة[23].

  • وفي هذا – التعقيب – مسألتان :

 المسألة الأولى: مراتب الأقوال المذهبية المعتمدة في الفتوى والقضاء.

إن الباحث في التراث الفقهي المالكي يجد الأقوال والأدلة الخاصة المعتمدة في الفتوى والقضاء عند المالكية يتخذ ترتيبا مغايرا لما ورد في « مدونة الحقوق العينية » Ü حيث نجد « القول الذي جرى به العمل » مقدم على « الراجح و المشهور« .

  • جاء في « العمل الفاسي »

ومَا بِه العمل دون المشهُور   ** ** ** مُقدمٌ في الأَخْذِ غَير مَهْجور[24]

  • ونظم الشنقيطي في مراقي السعود:

وقُِّدِّم الضَّعيفُ إن جَرى عملٌ ** ** **  به لأجل سَبَبٍ قد اتصل[25]

Ü والمراد بالسبب هنا ما ذكره الحجوي الثعالبي في الفكر السامي.

فإذا كان السبب لدرء مفسدة فهو على قاعدة سد الذرائع، وإذا كان السبب لجلب مصلحة فهو على أصل المصالح المرسلة …إلخ

*** *** *** *** *** *** *** ***

الإشكال الثاني المتعلقة بهذا الترتيب – هو الواو الفاصلة بين الأقوال المعتمدة في المادة الأولى من المدونة –

المسألة الثانية: دلالة الواو الفاصلة بين الراجح والمشهور وما جرى به العمل.

من الإشكالات المطروحة في سياق هذه الإحالة هي: دلالة الواو الفاصلة بين الأقوال: هل هي تفيد الجمع والعطف أم تفيد الترتيب والموالاة؟ !!

  • في المسألة رأيان أو موقفان:
  • الرأي الأول: « الواو الفاصلة بين الأقوال المعتمدة« Ü مفادها الجمع والعطف، وعليه فإن « القاضي » له الحق في الاختيار بين تلك الأقوال بحسب ما يناسب النازلة التي بين يديه.

فليس هناك ما يمنعه من تقديم قول مشهور على الراجح .. أو ما جرى به العمل على الراجح والمشهور.

  • الرأي الثاني: يرى أن « الواو » تفيد « الترتيب والموالاة« ، وبالتالي فإن « القاضي » ملزم بترتيب الأقوال الواردة في المادة الأولى من « المدونة » ولا يجوز له الخروج على هذا الترتيب.

*** *** *** *** *** *** *** ***

استدلال الفريقان وحججهما: بناء على ما سبق احتج كل فريق بما يلي:

  • الفريق الأول : القائلون بأن « الواو تفيد العطف والجمع » احتجو بعدة أدلة منها:
  • لو كانت « الواو » في قول القائل : »رأيت زيدا وعمراً » للترتيب، لما صح قوله تعالى: »وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة » سورة البقرة الآية 57. وفي آية أخرى في سورة الأعراف الآية 161 : »وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا » Ü مع اتحاد القضية، لما فيه من جعل المتقدم متأخرا والمتأخر متقدما.
  • أنها لو أفادت « الترتيب » Ü لما حسن قول القائل: »تقاتل زيد وعمرو » إذ لا ترتيب فيه.
  • الفريق الثاني: المثبتون للترتيب احتجوا بالنصوص والأقوال التاليـــــــــة:
  • قوله تعالى: « يا أيها الذين آمنو اركعوا واسجدوا » سورة الحج الآية 77 فإنه يقتضي الترتيب.
  • وما روي أيضا أنه لما نزل قوله تعالى: « إن الصفا والمروة من شعائر الله » البقرة الآية.157

قال الصحابة للنبي ($) : بما نبدأ ؟ !قال ($) : »إبدؤوا بما بدأ الله به » ولولا أن « الواو للترتيب » لما كان كذلك.

  • ما روي عن عمر بن الخطاب– وكان من أهل اللغة واللسان- : أنه قال لشاعر قال : »كفى بالشيب والإسلام للمرء ناهيا« .

« ولو قدمت الإسلام على الشَّيْب لأَجْزَتْكَ » ¬ وهذا يدل على الترتيب.

  • ورُوِي أيضا أن الصحابة أنكروا على (ابن عباس) = وقالوا له: لما تأمرنا بالعمرة قبل الحج ، وقد قال الله تعالى : »وأتموُّا الحج والعمرة لله » البقرة الآية 196.

Üوكانوا أيضا من أهل اللغة واللسان Ü وذلك يدل على الترتيب.

     *** *** *** *** *** *** *** ***

وبالجملة فالكلام في « دلالة الواو الفاصلة بين الأقوال » متضارب ومتشعب ولهذا كان حَريٌّ بـ « المشرع » بيان المسألة ورفع التشويش والحيرة عن القاضي بسبب هذا « الخلاف النحوي والفقهي« ، أثناء الحكم والفصل في النزاعات التي تعرض عليه.

Üوعلى هذا الأساس، وضمانا لتجويد العمل القضائي وتحقيقا لأمنه ، ودرءا لتضارب الإجتهادات القضائية ، لا بد من وضع ضوابط علمية صارمة وتحديد المفاهيم والمصطلحات، وتحرير معايير اعتبار الأقوال … عند الرجوع إلى الفقه المالكي.

خاتمة وخلاصة:

مجمل القول إذن :

  • إن الفقه المالكي ما زال يتبوأ الصدارة والريادة في المجال العقاري خاصة في « مدونة الحقوق العينية » التي قامت على أساس قواعد الفقه المالكي ومبادئه ، كما يضطلع بدور تكميلي فيما لا نص فيه، حينما احالت عليه « المدونة » بمقتضى المادة الأولى.
  • إن القاضي ليست له إمكانية الإحالة على الفقه الاسلامي وتطبيقه ، إلا عند عدم وجود قاعدة تشريعية تنظم النازلة المعروضة عليه ، سواء في « مدونة الحقوق العينية » أو « قانون الالتزامات والعقود » باعتباره الشريعة العامة والمرجع العام لجميع القوانين المدنية.

لائحة المصادر والمراجع:

  • الدكتور جاسم سلطان:  » نـحو وعي استراتيجي بالتاريخ  » الناشر الشبكة العربية للأبحاث والنشر الطبعة الأولى بيروت 2015.
  • الدكتور محمد خيري: « مرجعيات مدونة الحقوق العينية  » « مدونة الحقوق العينية وآفاق التطبيق » أشغال الندوة الدولية المنعقدة بكلية الشريعة بفاس 2-3 يناير 2013.
  • رشيد لعنب : »الإحالة على الفقه المالكي في ضوء مدونة الحقوق العينية » . سلسلة أعمال جامعية مجلة القضاء المدني، الطبعة الأولى 2016 مطبعة المعارف الجديدة بالرباط.
  • الدكتور عادل حاميدي :  » القواعد الفقهية وتطبيقاتها القضائية في المادة العقارية والمدنية في ضوء مدونة الحقوق العينية وقانون الالتزامات والعقود والفقه الاسلامي « . مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء الطبعة الثانية 2015.
  • علال الفاسي  » دفاع عن الشريعة  » منشورات مؤسسة علال الفاسي. بدون تاريخ نشر
  • الدكتور محمد الكشبور في كتابه القيم:  » بيع العقار بين الرضائية والشكلية : دراسة في أحكام الفقه الاسلامي وفي القانون الوضعي وفي مواقف القضاء « . مطبعة النجاح الجديدة سنة 1997.
  • محمد المهدي الوزاني :  » تحفة أكياس الناس بشرح عمليات فاس  » طبع وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية عام 2001.
  • -محمد الأمين الشنقيطي: » نثر الورود على مراقي السعود  » دار المنارة جدة السعودية الطبعة الثالثة سنة 2002م.
  • حسن السايحي:  » الأصول الشرعية والقانونية لمدونة الحقوق العينية  » مجلة القانون والأعمال الدولية Droit tentreprise.com بتاريخ : 17 أغسطس 2020.

[1] – الدكتور جاسم سلطان « نحو وعي استراتيجي بالتاريخ »

[2]– د/ جاسم سلطان المرجع السابق ص.14.

[3]– الدكتور محمد خيري: « مرجعيات مدونة الحقوق العينية » ص.65 « مدونة الحقوق العينية وآفاق التطبيق » أشغال الندوة الدولية المنعقدة بكلية الشريعة بفاس 2-3 يناير 2013.

[4]– « دفاع عن الشريعة » ص.16-17 منشورات مؤسسة علال الفاسي.

[5]– « دفاع عن الشريعة » ص.16-17.

[6]– نفس المرجع ، ص.47

[7]– د. محمد خيري: « مرجعيات مدونة الحقوق العينية » ص.65.66

[8]– رشيد لعنب : »الإحالة على الفقه المالكي في ضوء مدونة الحقوق العينية » ص.42 سلسلة أعمال جامعية مجلة القضاء المدني، الطبعة الأولى 2016 مطبعة المعارف الجديدة بالرباط.

[9]-« الاحالة على الفقه المالكي » ص.73.72.

[10]-رشيد لعنب : « الإحالة على الفقه المالكي » ص 73.

[11]– حسن السايحي: « الأصول الشرعية والقانونية لمدونة الحقوق العينية » ص.4.

[12]– رشيد لعنب: « الاحالة على الفقه المالكي ». ص.60

[13]– د. عادل حاميدي : « القواعد الفقهية وتطبيقاتها القضائية في المادة العقارية والمدنية في ضوء مدونة الحقوق العينية وقانون الالتزامات والعقود والفقه الاسلامي » ص.28.

[14]– د. عادل حاميدي: « المرجع السابق » ص.31-32.

[15]-رشيد لعنب « الاحالة على الفقه المالكي ». ص.71.70.

[16]– أورده الدكتور محمد الكشبور في كتابه القيم: « بيع العقار بين الرضائية والشكلية : دراسة في أحكام الفقه الاسلامي وفي القانون الوضعي وفي مواقف القضاء »ص.49. مطبعة النجاح الجديدة سنة 1997.

[17]– رشيد لعنب « الإحالة على الفقه المالكي » 73 هامش 139.

[18]– د.عادل لحميدي: »القواعد الفقهية وتطبيقاتها القضائية » ص.29.28.

[19]-رشيد لعنب « الإحالة على الفقه المالكي » ص.90.

[20]– رشيد لعنب: المرجع السابق ص. 90الهامش (165).

[21]– رشيد لعنب : »المرجع السابق، ص.85 الهامش (153). »

*– المادة 400 : »كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة يُرجع فيه إلى المذهب المالكي والإجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم الاسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف . »

[22]– رشيد لعنب: « المرجع السابق ص.91. »

[23]– د.عادل حاميدي: »القواعد الفقهية وتطبيقاتها القضائية » ص.29.

[24]– محمد المهدي الوزاني : « تحفة أكياس الناس بشرح عمليات فاس » ص.234 طبع وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية عام 2001.

[25]-محمد الأمين الشنقيطي: »نثر الورود على مراقي السعود » ص.639 دار المنارة جدة السعودية الطبعة الثالثة سنة 2002م.

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *